
عام على الثورة اللبنانية، عام على خروج الملايين من اللبنانيين إلى الشوارع والساحات مطالبين رحيل الطبقة السياسية جميعها من دون أي استثناء. غابت التحركات الشعبية بعد مرور عام على اندلاع الانتفاضة، وفرغت الساحات، ولكن الثورة لم تنطفئ بل باتت فكراً ونهجاً، وأصبحت في قلوب وعقول المواطنين اللبنانيين الأحرار.
قررت الحكومة اللبنانية يوم 17 تشرين 2019 وضع سلسلة ضرائب جائرة لتغطية العجز المالي الذي يعاني منه لبنان نتيجة الفشل والسرقة، ما ادى إلى انفجار في الشارع اللبناني وخرج الآلاف في كل أنحاء بيروت والجنوب والشمال والبقاع، كاسرين الانتماءات الطائفية والحزبية وغير آبهين بزعيم أو قيادي. رفع المتظاهرون صوتهم عالياً في وجه الطبقة السياسية مجتمعة، وطالبوا برحيلها متهمين إياها بالفساد وحمّلوها مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي.
الانتفاضة كانت ضد الجميع، حتى حزب الله وحركة أمل لم يسلما من شظايا غضب الشعب، حيث شهدت مناطق واقعة تحت اشراف ”الثنائي الشيعي” انتفاضة شعبية وغضباً شعبياً لم تشهده من قبل. كسّر المتظاهرون صور الزعماء التي كانت تعتبر بمثابة “آلهة”، وأحرقوا أعلام حزب الله وحركة أمل “المقدسة” وتمكنوا من اقتحام المكاتب الحزبية والمكاتب التابعة للنواب وكسروا جميع الممتلكات بداخلها وأضرموا النيران فيها. نعم إنها ثورة شعبية ضد “كلن يعني كلن”.
ويقول “أبو علي” وهو شيعي ضد الثنائي الشيعي، وناشط في الثورة الشعبية منذ اليوم الأول في منطقة النبطية القابعة تحت وصاية حزب الله: “كسر الغضب الشعبي حواجز عدة بعدم استثنائه منطقة أو طائفة أو زعيم حزب، خصوصاً بعدما طالت الهتافات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، ورئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري، في مشهد لطالما اعتُبر من المحرّمات”.
ويضيف الناشط الذي لم يشأ أن يكشف عن اسمه الحقيقي، “ليلة 17 تشرين، النبطية وعدة مناطق جنوبية أصبحت خارج سيطرت الحزب وأمل، إذ نزل الآلاف المنتمين إلى الثنائي الشيعي غاضبين من سياستهم وفسادهم. كان هناك غضب داخلي كبير يعبرون عنه عبر هتافات وإضرام النيران في المكاتب الحزبية وتكسير صور الزعماء ونواب المنطقة”.
وأكد “أبو علي”، أن المشهد سرعان ما تبدل نتيجة التهديد والترهيب، فاستخدم حزب الله سياسة التهديد عبر تخويف الأهل وإرسال رجال حزبية مساءً وإثارة الخوف في نفوس القاطنين بالمنازل التي شاركت بالثورة والتي قررت وضع حد للسياسات الفاسدة التي تنتهجها الطبقة السياسية ومن ضمنها الثنائي الشيعي”.
نعم تمكن الثوار من كسر الهالة الحزبية والمحرمات الحزبية وصورة الأحزاب التي لا تقهر عند جميع الطوائف، وتمكن الثوار من بث الخوف في نفوس النواب والزعماء والسياسيين إذ باتوا يخشون التواجد في الأماكن العامة، كالأسواق والمطاعم، بعد اعتراض متظاهرين لعدد منهم وإطلاق هتافات مناوئة لهم دفعتهم غالباً إلى المغادرة.
وبعد مرور عام، يمكن القول أن الثورة لم تمت، الثورة مستمرة، ولم تعد فقط عبارة عن تظاهرة أو تسكير طرقات أو اقتحام مقر عام، بل أصبحت فكر ونقاش و”ريح تغيير”، وهذا التغيير طاول الانتخابات النقابية، إذ اعتبر انتخاب ملحم خلف، الناشط منذ عقود في المجتمع المدني نقيباً لمحامي بيروت، “انتصاراً” لطالبي التغيير. إضافة إلى والانتخابات الطالبية التي بدأت من الجامعة الأميركية اللبنانية بحيث تمكن الطلاب المدنيين من كسر فكرة المقاعد الطلابية للأحزاب وتمكنوا من الدخول إلى الهيئات الطالبية من بابها العريض. ومن أهم الانجازات التي حقتها ثورة 17 تشرين هي تمكن الثوار من منع قيام سد بسري والحفاظ على المرج الأثري بعدما قرر البنك الدولي وقف تمويل مشروع بناء السد.
الكاتب: كارل حداد